خبراء: التنمر الوظيفي سلوك عدواني يضر المجتمع ويقود صاحبه للسجن

خبراء: التنمر الوظيفي سلوك عدواني يضر المجتمع ويقود صاحبه للسجن
التنمر الوظيفي

يقضي الفرد معظم وقته بين جدران مكتبه وفي عمله وفقًا لأسلوب الحياة الذي يعيشه الإنسان المعاصر، ويشكل هذا خطورة إذا كانت بيئة عمله تعج بالتنمر.

وبحسب المركز الكندي للصحة المهنية والسلامة، فإن وصف التنمر ينطبق على كل سلوك أو لفظ من شأنه أن يسبب أذى أو جرحا نفسيا لشخص ما في مكان العمل أو يؤدي إلى عزله. 

ويوضح المركز الطبي أن التنمر يشمل الحوادث وأنماط السلوك التي تسعى بشكل مقصود إلى إحراج موظف أو زميل أو إيذائه والحط من قيمته، وثمة من يعرف التنمر بأنه ممارسة للنفوذ والسلطة على نحو عنيف. 

ومن أمثلة التنمر، أن يجري تكليف الموظف بمهام معقدة، في نطاق زمني محدود، حتى يرتبك في عملية الأداء ويُمنى بالفشل في نهاية المطاف، ولا تقف الظاهرة عند هذا الحد، بل تشمل إطلاق الشائعات المؤذية، وإقامة "تحالفات" ضد موظف معين لأجل عزله وإزعاجه، فضلًا عن الحرمان من الإجازات، من دون سبب، أو إهمال آراء الموظف. 

ويشير موقع "فوربس"، إلى أن التنمر في أماكن العمل أمرٌ شائع جدا، حتى في الولايات المتحدة، وفي سنة 2017، كشفت الأرقام أن ما يقارب 60 في المئة من الموظفين الأمريكيون يتعرضون للتنمر، وأنه في مكان العمل لا يجري دائما من قبل مدير تجاه موظف، بل يحصل أيضا بين الزملاء الذين يتنمرون على بعضهم البعض حتى وإن كانوا يشغلون الوظيفة نفسها. 

وفي بحث آخر أجرته هيئة "يوغوف" البريطانية المختصة في البحوث والبيانات والاستطلاع، تبين أن النساء يتعرضن بشكل أكبر لممارسات التنمر مقارنة بزملائهن الرجال. 

وفي وقت سابق، كشفت دراسة أجريت في جامعة "ولونغونغ"، أن نصف الأستراليين يتعرضون للتنمر في أماكن العمل، رغم جهود التوعية بالظاهرة الخطيرة على الصحة النفسية. 

وفي تقارير صحفية، يشير المركز الكندي للصحة المهنية والسلامة إلى وجود خيط رفيع جدا، بين التنمر والصرامة المطلوبة في العمل والتسيير، أي أن مديراً ما قد يخال نفسه شخصا جديا وحريصا على الإنتاج، لكنه يقعُ في التنمر على موظفيه، من خلال انتقاد أدائهم بحدة زائدة، أو عبر طرق غير مهنية لا تراعي كرامتهم. 

ويضيف المركز الكندي، أن التنمر يؤثر سلبا على أداء الموظف في عمله، كما أنه يلحق ضررا بليغا باستقراره النفسي وسط العائلة، لأنه يضحي أكثر انفعالا وقلقا، لكن مكان العمل يتكبد خسارة بدوره، لأن الموظفين الذين يتعرضون للتنمر يقبلون بشكل أكبر على التغيب حتى يتفادوا الأجواء غير السليمة قدر المستطاع.

وبحسب هيئة "وورك سيف بي سي" المختصة في رصد حقوق العمال بكندا، فإنه لا يمكن الحديث عن تنمر، في حال أبدى موظف ما رأيا مخالفا لرأي زملائه، لأننا لا نكون في حالة تنمر على الزملاء، إذا أبدينا رأيا بشأن عملهم، على نحو موضوعي، أو عبرنا عن اختلافنا معهم. 

وفي مصر يتصدى أول قانون للتنمر، والذي صدق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، مؤخرا برقم 189 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، لاقتراف جريمة التنمر من فرد أو مجموعة بعقوبة صارمة، ويعاقب المتنمر وفقا للقانون، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. 

«جسور بوست»، ناقشت الأزمة وأثرها على الفرد والمجتمع مع متخصصين.

آثار مدمرة على الفرد والمجتمع

قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، طه أبوحسين: "إن التنمر مسألة نسبية، فما يحدث في مجتمع ما يعتبره البعض تنمرًا قد يحدث في مجتمع آخر بشكل طبيعي، والمعيار هو إيذاء الآخر، وللتنمر آثار مدمرة على الفرد والمجتمع، فأطفال المدارس على سبيل المثال يتسبب التنمر لهم في تراجع مستواهم الدراسي، وقد يصل الأمر إلى كره الطالب للمدرسة وربما تركها والامتناع عن الاندماج مع فصله المدرسي".

وأضاف أستاذ علم الاجتماع في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": وللتنمر طرفان؛ المتنمر والمتنمر عليه، والمتنمر في أغلب الأحيان يكون شخصًا عنيفًا لكنه لم يستطع أن يقيم حالة العنف المادية فيلجأ إلى حالة التنمر أو العنف بأشكاله المختلفة، والمتنمر عليه في هذه الحالة إما أن يأخذ المتنمر على أنه غير سوي يجب إظهار الصمت كرد فعل، وإما أن يتعامل معه بذات الأسلوب والطريقة، والمجتمع مكون من أفراد فإذا لم تتم معالجة التنمر تجاه الأفراد وبعضهم البعض يتضرر المجتمع بتطور التنمر إلى حالات عنف قد تصل إلى استخدام السلاح والقتل.

ولذلك لا بد من الحفاظ على المستوى المتساوي بين أفراد المجتمع من خلال عدم خلق حالة من التنافس المادي بين الأفراد، فالشخص الذي يملك قد يكون متنمرًا وقد يكون متنمرًا عليه، وانتشار التنمر مجتمعيًا يؤدي إلى أزمات مجتمعية، ولذا يجب إذابة الفوارق المجتمعية فلا نسمح لطفل على سبيل المثال بالذهاب للمدرسة بتليفون مرتفع الثمن حتى لا يتشكل لدى هذا الطفل نوع من الفوقية المادية المكبوتة.

تشديد العقوبة حال الوفاة

قال أستاذ القانون مصطفى السعداوي في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": "إن المشرع المصري بموجب القانون 189 لسنة 2020، أضاف عقوبة التنمر لقانون العقوبات المصري، وهو كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف لدى المجني عليه أو حالة لدى المجني عليه يعتقد الجاني أنها مصدر إساءة مثل الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية والعقلية أو المستوى الاجتماعي بهدف تخويفه أو الحط من شأنه، والمشرع في تعريفه عرف التنمر على سبيل القياس لا على سبيل الحصر، فلم ينص مثلًا على الحالة التعليمية ووضع لكل ذلك عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه".

 

وطالب الخبير القانوني بتشديد عقوبة التنمر حال أدى إلى الوفاة، وأكد أن الفقير لا يتنمر، والغرامة المالية غير رادعة لمن يمتلكون المال، فما الذي يعنيه 10 آلاف جنيه لمتنمر غني، وماذا لو أدى التنمر إلى إنهاء الفرد حياته، مثلما حدث مع الطالبة السويسرية التي تنمرت عليها مدرستها، لا بد للمشرع أن يضع عقوبات مشددة إذا أدى التنمر إلى الوفاة، كأن يوضع الجاني في السجن المشدد، تتضاعف العقوبة المشددة، ولو عاد للفعل مرة أخرى تتضاعف العقوبة في الحالات التالية: إذا حدثت من جناة عدة، أو إذا كان من أصول المجني عليه أو ممن تولى تربيته ورعايته أو له سلطة عليه، أو المجني عليه مسلم للجاني بموجب حكم قضائي، أو كان خادمًا".

واستطرد: التنمر ما قبل 2020 لم يكن يعرفه المشرع المصري، ولم تكن هناك عقوبة لهن وكنا في الفقه الجنائي نختلف في تسميته بين التنمر والتسلط، ورصد بعض حالات التنمر التي انتشرت على السوشيال ميديا، وعلى أساسها وضع عقوبة التنمر وفرض له ظروف مشكلة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية